
شهدت الحاجة المتزايدة لتكامل الخدمات بين وزارة الصحة ووزارة التنمية الاجتماعية اهتماماً واضحاً من الخبراء والمختصين، حيث أكد المستشار الاجتماعي طلال محمد الناشري أن التعاون الفعّال بين هذين القطاعين يعد عاملاً رئيسياً في توفير دعم شامل للفئات الأكثر ضعفاً مثل فاقدي الأهل وكبار السن والمرضى النفسيين والأطفال اللقطاء. وذكر الناشري أن الاعتماد على جهود كل قطاع بشكل منفرد لا يحقق النتائج المرجوة، وأن التنسيق بين الجانبين يوفّر بيئة متكاملة تلبي جميع الاحتياجات الصحية والاجتماعية، وبالتالي يسهم في تعزيز استقرار الأفراد النفسي والاجتماعي ويوفر مستوى أعلى من الرفاهية المجتمعية.
وأوضح الناشري أن وزارة الصحة تختص بتقديم الرعاية والعلاج الطبي والخدمات الوقائية للمرضى من مختلف الفئات، سواء المصابون بأمراض نفسية أو كبار السن أو الأطفال اللقطاء أو أصحاب الأمراض المزمنة، فيما تركز وزارة التنمية الاجتماعية على توفير الرعاية الاجتماعية ودور الحضانة ودور المسنين إضافة إلى دور الإيواء للأشخاص ذوي الإعاقة وبرامج الدعم المادي. لكن العديد من الحالات المعقدة تتطلب تدخلاً متكاملاً من كلتا الوزارتين لتجاوز الصعوبات وضمان تقديم الخدمات الضرورية، حيث يظهر بوضوح أن التنسيق المشترك يرفع القدرة على تلبية الاحتياجات بشكل أوسع ويقلل من حالات إهمال بعض الفئات.
وأشار الناشري إلى مشكلات تظهر في واقع تطبيق الخدمات، من بينها ما يحدث عند العثور على أطفال لقطاء في ظروف إنسانية صعبة. حيث تتابع الجهات الأمنية نقلهم بداية إلى المستشفيات للفحص والتأكد من سلامتهم من الأمراض، وبشكل خاص الأمراض المعدية، ثم يتطلب الأمر استلام قطاع التنمية الاجتماعية لهؤلاء الأطفال لتأمين بيئة ملائمة لهم في دور الرعاية أو من خلال برامج الدعم الاجتماعي. إلا أن الإجراءات الرسمية بين الجهات الأمنية والتنمية الاجتماعية تتأخر غالباً، ما يتسبب في بقاء الأطفال في المستشفيات لفترات طويلة على الرغم من عدم حاجتهم إلى علاج طبي، وهو ما يعرّضهم أكثر للأمراض المعدية ويحرمهم من التواجد في بيئة صديقة مناسبة لوضعهم النفسي والاجتماعي.
أما بالنسبة لحالات أخرى مثل المسنين والأشخاص المعاقين أو المرضى النفسيين المجهولين، أشار الناشري إلى أن نقلهم للمستشفيات يهدف في الأساس لتوفير العلاج والرعاية الطبية، إلا أن بقاءهم لفترات طويلة بعد انتهاء العلاج بسبب غياب الرعاية الأسرية أو تعذر التحويل السريع لدور الرعاية الاجتماعية يؤدي إلى تكدسهم في المستشفيات، ما يؤثر على جودة الخدمات الصحية ويستهلك موارد مطلوبة لمرضى آخرين. وتشهد المستشفيات حالات عديدة من فئات الأطفال وكبار السن والمرضى النفسيين الذين يطيلون الإقامة دون ضرورة طبية بسبب ضعف التنسيق بين الجهات المعنية.
وأكد الناشري أن تطوير استجابة فعّالة وسريعة في التعامل مع هذه الحالات يتطلب تعزيز التعاون بين الصحة والتنمية الاجتماعية، بحيث يسمح التنسيق المسبق بتوفير الخدمات بشكل فوري وتجنّب تكرار الجهود أو انتظار إجراءات رسمية مطولة. هذا التكامل يسهم أيضاً في رفع جودة الرعاية وتوفير بيئة داعمة تساهم في استقرار الفرد، إلى جانب تقليل العبء على المؤسسات الصحية والاجتماعية نتيجة الإقامات الطويلة في المستشفيات.
وفي إطار تعزيز هذا التكامل، طرح الناشري مجموعة من الخطوات أبرزها تطوير آليات عمل مشترك بين الوزارتين عن طريق إنشاء لجان تنسيقية وتبادل البيانات بفعالية، وتوحيد السياسات والإجراءات لضمان انتقال الحالات بسلاسة من جهة لأخرى وفق بروتوكولات واضحة، بالإضافة إلى تدريب الكوادر ورفع الوعي بين الفرق المختلفة حول أهمية التعاون، وكذلك العمل على تجهيز مراكز متكاملة تجمع بين الرعاية الطبية والاجتماعية بالقرب من أماكن تواجد الحالات الأكثر احتياجاً.
وشدد الناشري على أن بناء منظومة تكاملية بين القطاعين ليس خياراً بل ضرورة لضمان حقوق جميع أفراد المجتمع وبخاصة الفئات الضعيفة أو فاقدة الأهل، مبيناً أن مشاركة الجهود وتوحيد الأدوار ستنعكس بشكل ملموس على حياة هؤلاء الأفراد وتسهم في خلق بيئة مجتمعية مستقرة وداعمة للجميع.