
يثير نظام القبول المركزي الموحد في الجامعات السعودية جدلاً واسعاً بين الطلاب وأسرهم، حيث تؤكد شكاوى عديدة أن تطبيق هذا النظام تسبب في توزيع كثير من المقبولين على جامعات تقع خارج مناطق سكنهم، الأمر الذي أرهق العائلات بتكاليف مالية مرتفعة وصعوبات نفسية للطلبة. ويبلغ عدد الطلاب المقيدين في الجامعات السعودية أكثر من مليون وثلاثمائة وستين ألف طالب وطالبة بحسب إحصائيات 2023، موزعين على 29 جامعة حكومية و38 جامعة وكلية أهلية. إلا أن حلم تحسين العدالة التعليمية بهذا النظام عبر توحيد فرص القبول سرعان ما تحول إلى معضلة في حياة بعض الطلاب وأسرهم.
تجارب عائلات سعودية كشفت عن أعباء غير متوقعة، إذ أوضح خالد الشمري الذي انتقلت ابنته للدراسة في منطقة على بعد 600 كيلومتر من محل إقامة الأسرة، اضطرارهم لاستئجار سكن جديد وتحمل مصاريف إضافية تزيد على ثلث دخلهم الشهري. وفي حالة مشابهة، نقل سلمان حميد الشمري قلقه من ابتعاد ابنه الوحيد إلى منطقة نائية، بعيداً عن أي دعم عائلي أو قريب، ما أفقد الأسرة فرصة التواصل اليومي والتوجيه المباشر.
وتروي نورة الحمد، أم لثلاثة أبناء توائم تخرجوا في المسار العام، حجم المعاناة المالية والنفسية التي واجهتها كمطلوب منها متابعة ثلاثة طلاب في ثلاث مناطق مختلفة. وطالب البعض بأن يتم تعديل السياسات بحيث تراعى ظروف الأسر وتمنح الأولوية لقبول الطلاب في جامعات مناطقهم قبل التفكير في توزيعهم على مناطق أخرى بعيدة.
الباحث في علم النفس ماجد الطريفي أشار إلى أن السنة الجامعية الأولى تمثل تحدياً نفسياً مهماً يتطلب إشرافاً مباشراً من الأسرة، وحذر من تسبب الغربة المفاجئة في ظهور مشكلات مثل القلق أو العزلة أو الانخراط في عادات ضاغطة. وفي نفس الاتجاه، يرى الباحث الاجتماعي عبدالله البقعاوي أن القبول بنظام التوزيع المكاني يغفل عن الواقع الجغرافي والاجتماعي للمجتمعات المحلية، ويساهم في تفكك الترابط الأسري بشكل متسارع.
دول أخرى واجهت تحديات مشابهة عند تطبيق نظم القبول المركزي الجامعي، حيث تشير دراسة لمعهد الاقتصاد بجامعة FGV في ريو دي جانيرو إلى أن تطبيق نظام SISU في البرازيل أدى إلى زيادة ملحوظة في الهجرة الطلابية بين المناطق بنسبة قاربت الثلاث نقاط المئوية، ما زاد الأعباء على الأسر وأثر سلباً على تماسك العائلات واستقرار الطلاب. وتشير أبحاث جامعة أوتريخت الهولندية إلى أن الطلاب المغتربين يعانون ارتفاع معدلات الحنين والشعور بالوحدة خاصة عند العيش بعيداً عن الأهل. أما في الولايات المتحدة، فقد تابعت دراسة على 174 طالبة خلال أول عشرة أسابيع في الجامعة واكتشفت أن ما يقارب 94 في المئة منهن شعرن بالغربة والانفصال الأسري، مع صعوبة أكبر في التأقلم للطالبات البعيدات عن ذويهن.
وسط هذه التحديات، تتصاعد مطالبات أولياء الأمور بإجراء تعديلات على نظام القبول الموحد تمنح الأولوية في القبول للطلاب في جامعات مناطقهم السكنية، بهدف ضمان الاستقرار النفسي والتقليل من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للأسر السعودية.