
تحول واقع توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة منذ نهاية مايو 2025 إلى مشهد من العنف المتكرر الذي أودى بحياة أكثر من أربعمائة شخص وأسفر عن إصابة آلاف آخرين. تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست كشف عن أن برنامج مؤسسة غزة للإغاثة، الذي تديره جهات أمريكية بالتنسيق مع إسرائيل، كان سبباً رئيسياً في هذه الأحداث بسبب اعتماده على آليات لا تلتزم بالمعايير الإنسانية، ما جعل الحشود تقترب من المواقع العسكرية الإسرائيلية وتعرضها إلى نيران مباشرة في مسارات توزيع المساعدات. أدى ذلك إلى وقوع مأساة مستمرة بين المدنيين الباحثين عن الغذاء في ظل الحصار.
البرنامج الذي يشمل أربعة مراكز توزيع داخل مناطق تسيطر عليها القوات الإسرائيلية تحدى كل التوصيات الإنسانية المتبعة في الطوارئ، حيث وزعت المساعدات وفق نظام الحضور المبكر دون تسجيل أسماء أو جدولة مواعيد. هذا الأسلوب أجبر الفلسطينيين على التجمهر في مناطق قريبة من مواقع عسكرية وأدى لتحذيرات أممية بأن هذا التصميم قد يتسبب بوقوع عنف. في بداية عمل المراكز وقعت ثلاث حوادث أكد فيها شهود عيان إطلاق نار على المدنيين، شمل دبابات وطائرات مسيرة، وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات المصابين بحسب تقارير الصليب الأحمر.
كشف التحقيق أن إسرائيل استفادت عمداً من هذه الإخفاقات التصميمية لتبرير استخدام القوة المفرطة، إذ تتقاطع طرق إيصال المساعدات مع مواقع عسكرية وتضع المدنيين في دائرة الخطر. شهادات الشهود ولقطات فيديو أظهرت استهداف الحشود مباشرة أثناء محاولتها السير في المسارات المحددة مسبقاً، خلافاً لإدعاءات الجيش الإسرائيلي الذي أرجع إطلاق النار إلى “تهديدات أمنية” أو مزاعم بوجود “مشتبه بهم”.
وثائق داخلية أشارت إلى أن القائمين على البرنامج اشترطوا على الجيش الإسرائيلي استهداف المشتبه فيهم خارج محيط المراكز، وهو ما عزز فوضى وتوتر المدنيين الذين لم يتلقوا أي تنظيم أو إشعار مسبق بالتوزيع. أليكس ديفيس من اللجنة النرويجية للاجئين أشار إلى أن البرنامج تسبب بازدحام مفرط ورفع مستوى المخاطر الأمنية على المدنيين. كما ذكر خبراء إغاثة أن قلة عدد المراكز وبعدها عن أماكن تجمع الفلسطينيين كان من الأسباب المباشرة في تفاقم الكارثة.
الأمم المتحدة أعلنت رفضها المشاركة في برنامج يجبر المدنيين على التوجه لمسارات خطرة تمر عبر مناطق عسكرية إسرائيلية، مشيرة إلى أن الظروف الحالية تهدد سلامة المستفيدين. كما أكدت المنظمة الدولية أن إسرائيل تواصل فرض قيود على دخول شاحنات المساعدات ونشاطات الإغاثة داخل غزة. التحقيق الصحفي أوضح كذلك أن قواعد الاشتباك الإسرائيلية تفتقر إلى المحاسبة وهو ما يثير تساؤلات حول شرعية مقتل مئات المدنيين من الباحثين عن الطعام.