
في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية الدولية، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحات هدد فيها بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة على صادرات جميع الدول المنضوية تحت لواء مجموعة البريكس، في خطوة تزامنت مع انطلاق قمة المجموعة في مدينة ريو دي جانيرو. التهديد الأميركي يأتي انعكاسًا لاستياء ترامب من ما اعتبره “سياسات مناهضة” تتبناها دول البريكس ضد واشنطن، وتطرح هذه التطورات تساؤلات حول ما يمكن أن تؤدي إليه من تصعيد في الأوضاع الاقتصادية والتجارية على الساحة العالمية، خاصة وأن قادة مجموعة البريكس يصرون على تعزيز التعاون المتعدد الأطراف ودعم استقلالية الدول النامية.
ترامب استخدم منصته للتواصل الاجتماعي ليعلن أن أي دولة تسير في نهج سياسات البريكس المعادية للولايات المتحدة قد تتعرض لهذه الرسوم الجمركية، دون أن يوضح تفاصيل هذه السياسات التي وصفها بالمناهضة. هذا التصعيد يأتي بعد ساعات قليلة من البيان الافتتاحي لقمة البريكس والذي حذرت فيه المجموعة من أن زيادة الرسوم الجمركية عالميًا تهدد بتقويض استقرار الأسواق التجارية. سياسة ترامب التجارية تمثل استمرارًا لنهج أمريكا أولًا، الذي أحدث خلافات في اجتماعات كبرى مثل مجموعة الدول السبع والعشرين، مع مواصلة الإدارة الأمريكية السعي لإبرام اتفاقات تجارية جديدة قبل حلول التاسع من يوليو، وهو الموعد الذي أشارت تقارير رويترز إلى أنه قد يشهد فرض تعريفات انتقامية.
بالتوازي، وجهت قمة البريكس المنعقدة في ريو دي جانيرو رسائل دبلوماسية واقتصادية هامة، حضرتها شخصيات بارزة منها قادة البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، بينما شارك الرئيس الروسي بوتين عبر الإنترنت بسبب مذكرة توقيف دولية، وأوفدت الصين رئيس وزرائها بدلًا من شي جين بينغ. أولوية القمة انصبت على تعزيز الشراكات الاقتصادية وإصلاح منظمات دولية كبرى من ضمنها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أشار إلى أن البريكس تمثل اليوم منصة مشابهة لحركة عدم الانحياز في زمن الحرب الباردة، مع إصرارها على إشاعة الاستقلالية والتصدي لممارسات الحماية الاقتصادية.
عضوية البريكس شهدت مؤخرًا توسعًا لافتًا شمل مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات، بينما أبدت 30 دولة أخرى اهتمامها بالانضمام، ما رفع من وزن المجموعة عالميًا. البريكس باتت تضم أكثر من نصف سكان العالم وتسهم بحوالي أربعين بالمئة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، ما يجعلها رقمًا صعبًا في المعادلات الاقتصادية والدبلوماسية.
على الجانب الدبلوماسي، أدانت المجموعة الهجمات على البنية التحتية المدنية في إيران ووصفتها بانتهاك للقانون الدولي، كما أعربت عن قلقها من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وطالبت بإصلاح منظمة التجارة العالمية ودعم منح العضوية لإيران وإثيوبيا في المنظمة. كما أطلقت مبادرة جديدة من خلال بنك التنمية الجديد لتمويل الاستثمارات بأسعار أقل.
المحادثات شملت أيضًا ابتكار آليات جديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأمن البيانات وضمان عدالة توزيع العائدات الرقمية. وفي الوقت الذي تستعد فيه البرازيل لاستضافة قمة المناخ المقبلة، تحرص البريكس على إبراز مواقف الدول النامية في ملفات البيئة والمناخ، خاصة مع تراجع الإدارة الأميركية عن مبادراتها المناخية طبقًا لمواقف ترامب الأخيرة.
محللون يرون أن تهديد ترامب الأخير يمثل محاولة للضغط على الدول النامية لتعيد النظر في تحالفاتها وشراكاتها الاقتصادية، غير أن توسع البريكس وتنوع أعضائها يثير تساؤلات حول مدى القدرة على الحفاظ على انسجام الأهداف المستقبلية. تظل التساؤلات مطروحة حول قدرة المجموعة على مواجهة الضغوط الأميركية، وأثر أي رسوم جديدة محتملة على وتيرة التجارة والاستثمارات الدولية.