
تزايدت في الآونة الأخيرة الدعوات لإنشاء هيئة مستقلة تختص بحماية المساهمين في السوق المالي السعودي، حيث يرى عدد من الخبراء والمختصين الاقتصاديين، وعلى رأسهم الكاتب عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، أن تأسيس مثل هذه الهيئة بات أمراً ضرورياً في ظل التوسع المتواصل للسوق المالي وارتفاع أعداد المستثمرين الأفراد. تأتي هذه المطالبات لتؤكد أهمية استكمال منظومة الحماية التي توفرها الدولة، خاصة بعد النجاح الذي حققته هيئة حماية المستهلك على صعيد حماية متلقي السلع والخدمات، إذ ينتظر الكثيرون أن يكون للمساهم في السوق المالي جهة رسمية تدافع عنه وتضمن حقوقه وتحقق العدالة والشفافية داخل منظومة الاستثمار وفق أهداف رؤية المملكة 2030.
أبرز ما دفع للاهتمام بهذا الموضوع كانت تغريدة خالد الشثري، التي تساءل فيها عن سبب عدم وجود جهة رسمية تحت مسمى حماية المساهمين على غرار ما هو متبع مع حماية المستهلك. الكاتب عبد اللطيف آل الشيخ يرى أن هذا التساؤل يلامس جوهر الحاجة الفعلية للنهوض بالسوق المالي وترسيخ الثقة فيه، خاصة لدى صغار المستثمرين الذين يشكلون شريحة كبرى من المتعاملين ويعدون محركاً أساسياً لنمو الاقتصاد الوطني.
يشير آل الشيخ إلى وجود فجوة واضحة بين ما يحصل عليه المستهلك من حماية في معاملاته اليومية وبين ما يتاح للمساهم في السوق المالي، رغم تقارب الأدوار والمخاطر التي يتعرض لها كل منهما. ففي الوقت الذي تتدخل فيه هيئة حماية المستهلك لمراقبة الجودة والأسعار وحماية حقوق الشراء، يفتقر قطاع المساهمين إلى مظلة تكفل له شفافية المعلومات، وتوفير حماية من التلاعب والممارسات غير العادلة، وحلول فعالة في حال ظهور نزاعات أو مخالفات.
يرصد الكاتب تحديات رئيسية يعاني منها المساهمون، تحديداً الشريحة الصغيرة، من أبرزها عدم تكافؤ فرص الحصول على المعلومات المالية الجوهرية في وقت واحد وبوضوح، وهو ما قد يعرض بعضهم لخسائر نتيجة تأخر أو نقص الشفافية في نشر البيانات المؤثرة. كذلك يبرز ضعف الحماية ضد التلاعب في الأسعار أو التداول بناء على معلومات داخلية، في حين يظل الالتباس مسيطراً على كثير من الإجراءات والرسوم المتعلقة بحقوق المساهمين، مثل حضور الجمعيات العمومية أو الحصول على الأرباح. ومن التحديات أيضاً عدم وجود منصة مستقلة موحدة لاستقبال شكاوى المساهمين وحل منازعاتهم بإنصاف وسرعة، ما يؤثر على ثقة الأفراد بالسوق ويحد من جاذبيته.
يقترح آل الشيخ أن يتركز دور هيئة حماية المساهمين المستقبلية على مجموعة من المهام المحورية، من ضمنها الرقابة الصارمة على الإفصاح المالي من الشركات المدرجة، والتدخل السريع ضد أي شبهات تلاعب أو تواطؤ أو احتيال بما يضر بالمساهمين، مع فرض عقوبات رادعة تتناسب مع حجم الأضرار. كما يشدد على ضرورة تبسيط الإجراءات المتعلقة بحقوق المساهمين من تصويت وتوزيعات وأساسيات العضوية، حتى تصل لجميع الأطراف بعدالة ووضوح. إضافة لذلك، يرى أهمية تدشين منصة للشكاوى تتيح للمساهمين التظلم وتسريع معالجة الحالات الطارئة التي تمس مصالحهم، إلى جانب إطلاق برامج توعية مالية مكثفة لرفع مستوى المعرفة بين المستثمرين الأفراد وتهيئتهم لاتخاذ قرارات استثمارية مدروسة وواعية.
يوضح الكاتب أن فكرة المؤسسات المختصة بحماية المستثمر ليست جديدة عالمياً، إذ نجد نماذج قوية مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية واللجان التنظيمية الأوروبية والآسيوية التي جعلت من حماية المستثمرين وخاصة الصغار أولوية قصوى، الأمر الذي انعكس إيجاباً على مستويات الشفافية واستقرار الأسواق وزيادة إقبال المستثمرين نتيجة وضوح القواعد وعدالة التطبيق.
يرتبط موضوع حماية المساهمين بشكل وثيق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تهدف لتعزيز موقع السوق المالية السعودية عالمياً وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية. يرى آل الشيخ أن تحقيق ذلك مرهون ببناء منظومة تحمي كافة فئات المستثمرين، بما في ذلك الأفراد، الذين يمثلون شريحة رئيسية في تدفقات السيولة ونمو التداولات.
تأسيس هيئة منفصلة أو تعزيز صلاحيات الجهات القائمة للتركيز على حماية المساهمين يبعث برسائل طمأنينة قوية إلى الداخل والخارج، مفادها أن السوق السعودي لا يتميز فقط بالحجم والقوة الاقتصادية، بل يضيف إلى ذلك صفات العدالة والشفافية، ويوفر بيئة استثمارية متكاملة تحفظ الحقوق على قدم المساواة. يؤكد الكاتب أن هذه الحماية ليست عائقاً أمام حركة السوق أو تطوره، بل ركيزة مهمة لاستدامة النمو وجذب المستثمرين الجدد ودعم تطلعات المملكة الاقتصادية. ويشدد آل الشيخ على أن الوقت قد حان كي يكون للمساهمين جهة رسمية تدعمهم وتحميهم وتعزز دورهم كشركاء في التنمية الوطنية من خلال استثماراتهم المتزايدة.