
شهدت العاصمة الصينية بكين انعقاد منتدى السلام العالمي الثالث عشر في جامعة “تشنغهوا”، حيث ألقى الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، كلمة رئيسية حذّر خلالها من تداعيات تفكك النظام الليبرالي الدولي. وأشار إلى أن العالم يعيش مرحلة خطيرة وصفها بأنها زمن الوحوش، نتيجة لانهيار النظام الدولي الليبرالي وفشل المؤسسات الدولية في التعامل مع الحروب والنزاعات المتفاقمة التي باتت بلا حلول عملية. وأبدى الأمير قلقه من تراجع دور القوانين والأعراف الدولية وتنامي الانتهاكات، مما يهدد استقرار العالم في غياب نظام بديل عادل.
وأكد الأمير تركي في كلمته أن المنتدى انعقد تحت شعار “النظام العالمي: إلى أين؟” ومع محور يعالج مسؤوليات ومصالح وإنجازات مشتركة لدفع السلام والازدهار العالميين، وشدد على أن تآكل بنية النظام الدولي أصبح واضحًا من خلال تصاعد النزاعات، مثل العدوان الإسرائيلي على غزة والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك الاعتداءات المتكررة في لبنان وسوريا وإيران. ولفت إلى عدم فاعلية المؤسسات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتراجع قدرتها على مواجهة التطورات الجيوسياسية المتسارعة.
ودعا الأمير تركي إلى تعزيز التعاون الدولي وتحديدًا بين الصين ودول الشرق الأوسط، للخروج من نمط الشراكات التقليدية وإقامة علاقات أوسع وشاملة تراعي التحولات الجارية. وأوضح أن هذه الدول يمكنها أن توفر صوت الحكمة بشأن الأزمات الكبرى بما في ذلك استقرار الشرق الأوسط، والسعي لتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، ومواجهة السياسات الإسرائيلية.
وطالب الأمير الفيصل بإصلاح جذري للأمم المتحدة بعيدًا عن المعالجات الإجرائية الشكلية، مع ضرورة إعادة هيكلة مجلس الأمن وتبني التوصيات السابقة المتعلقة بتوسيع عضويته، معتبرًا أن العجز الحالي للمنظومة الأممية يسهم في إطالة أمد النزاعات ويضع مستقبل البشرية في خطر. وانتقد استمرار تجاهل المقترحات الإصلاحية من قبل الدول دائمة العضوية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يعكس استهتارًا بمصالح الشعوب.
وشكك في جدوى الطروحات المتعلقة بتعددية الأقطاب ما لم تؤسس على قواعد واضحة لضمان العدالة وتنظيم العلاقات بين الدول، مؤكدًا أن بلدان الجنوب، وعلى رأسها الصين، مرشحة للعب دور أساسي في تشكيل نظام عالمي أكثر توازنا وشمولية.
في حديثه عن الشرق الأوسط، أوضح الأمير تركي أن المنطقة تعاني من أزمة مزمنة تجاوزت ثمانين عامًا بسبب غياب العدالة وخاصة في القضية الفلسطينية، ما يمثل مصدرًا دائمًا لعدم الاستقرار. ووجه انتقادًا حادًا لاستخدام حق النقض من قبل القوى الكبرى في مجلس الأمن بخصوص المجازر المرتكبة في غزة وسوريا والسودان، واعتبر أن ذلك يقوض شرعية الأمم المتحدة.
ورأى أن التحركات الأخيرة في المنطقة، بما فيها التفاهمات المؤقتة بين إسرائيل وأميركا وإيران، لم تسفر عن حلول استراتيجية وإنما أوقفت المواجهات بشكل مؤقت فقط، بينما تواصل إسرائيل سياساتها الاستيطانية، وتستمر إيران في برامجها النووية دون رقابة فعالة. وشدد على أن المكاسب الميدانية الحالية جاءت بثمن باهظ حيث يستمر سقوط الضحايا، مشيرًا إلى الحاجة الماسّة لوضع حد لإراقة الدماء. وأكد أن العالم ليس بحاجة إلى حرب كبرى جديدة، بل إلى إصلاح المنظومة الدولية لمنع الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.