
تتجه الأنظار في هذه الأيام نحو غزة مع تنامي الحديث عن إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد، يلوح في الأفق بعد ما يقارب 21 شهرًا من التصعيد المتواصل الذي خلّف دمارًا واسعًا وأوضاعًا إنسانية صعبة. التحركات السياسية تتسارع وسط استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن، حيث يرجح المراقبون أن تشهد هذه الزيارة الإعلان عن هدنة تنتظرها المنطقة بترقب كبير، خاصة مع ضغط الأوضاع العسكرية والسياسية إقليمياً ودولياً، في وقت يعيش فيه نحو 2.3 مليون فلسطيني تحت وطأة المعارك.
تشير المصادر إلى أن الاتفاق المطروح يتضمن وقفاً لإطلاق النار يستمر لمدة ستين يوماً مع تنفيذ مجموعة من الإجراءات المتبادلة، من بينها الإفراج التدريجي عن الرهائن المحتجزين لدى حماس مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. من البنود الأساسية أيضاً السماح بوصول مساعدات إنسانية عاجلة إلى السكان في غزة، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا. الاتفاق يوفر ضمانات دولية تؤكد عدم استئناف العمليات العسكرية قبل الدخول في مفاوضات جدية بشأن مستقبل الصراع، بحسب تقارير إعلامية غربية.
جاء التقدم في الملف الفلسطيني بعد مواجهة عسكرية قصيرة بين إسرائيل وإيران، أعقبتها وساطة أمريكية وضعت نهاية للتهديدات المتبادلة، ما أدى إلى ضعف واضح في موقف طهران وحلفائها الإقليميين، وفي مقدمتهم حركة حماس. هذا التغير منح الحكومة الإسرائيلية فرصة لتعزيز موقفها الداخلي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي زيادة في التأييد الشعبي لأي اتفاق يسهم في إعادة الرهائن، في وقت تزايدت فيه الخسائر العسكرية خلال الشهر الجاري والتي بلغت 20 جنديًا في يونيو فقط.
على صعيد السياسة الداخلية الإسرائيلية، يعزز هذا التطور مواقع نتنياهو الذي يستفيد من توقف جلسات البرلمان لثلاثة أشهر، ما يقلل من احتمال تعرض حكومته لأي تصويت بسحب الثقة في هذه المرحلة الحساسة. ويتطلع نتنياهو إلى استثمار الهدنة لرفع شعبيته قبيل الانتخابات المرتقبة، رغم الاتهامات التي وُجهت له بسبب الإخفاقات في أحداث أكتوبر 2023، التي خلفت أكثر من ألف قتيل وعشرات الرهائن.
حركة حماس تمر بموقف صعب تزامناً مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية العنيفة وانكشاف الانقسامات داخل صفوفها، الأمر الذي يدفع قادتها للبحث عن مخرج يضمن الحد الأدنى من بقائهم في غزة ولو رمزياً، خشية على مكانتهم أمام جمهورهم المحلي وقلة الدعم الإقليمي الفعّال. ومع استمرار الشكوك حول التزام إسرائيل بعدم استئناف القتال إذا تعثرت المفاوضات، تميل الكفة في جناح الحركة إلى قبول الهدنة بضمانات دولية.
في خضم هذه التطورات، يبقى سكان غزة الأكثر تضرراً من القتال المستمر، حيث ما تزال الغارات تدمر المنازل وتتسبب في سقوط الضحايا، فقد أدت الهجمات الأخيرة إلى مقتل 15 شخصاً في قصف جوي و20 آخرين خلال إصابة نقاط توزيع المساعدات، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاتفاق سيحقّق أملاً حقيقياً للمدنيين أو سيقتصر على تهدئة مؤقتة تعيد المعاناة إلى نقطة البداية.