
قرية الطلحة التي كانت تعرف قديماً باسم طلحة الملك وتقع بالقرب من محافظة ظهران الجنوب، تشكو اليوم من الإهمال وتغييبٍ واضح عن خارطة التنمية. يسكن القرية أفراد من قبيلة آل منصور من يام، وتزدهر القرية بإرث تاريخي وثقافي يمتد لقرون، حيث وثقت كتب التاريخ مثل صفة جزيرة العرب للهمداني و المسالك والممالك لابن خرداذبة مكانة الطلحة وأهميتها السياسية والجغرافية في العصور القديمة وحتى عهد الدولة السعودية الحديثة، لتشملها لاحقًا مظاهر الرفاهية والتطور مع بقية القرى والحواضر في المملكة.
الرموز المعمارية في الطلحة، وأبرزها القصور الأثرية، لاتزال باقية وشاهدة على ماضي القرية العريق. حجارة هذه القصور تروي قصة مجتمع أصيل جذوره عميقة في أرض الجنوب. ورغم ما تمتلكه الطلحة من مقومات سياحية وتاريخية، مثل موقعها الجغرافي الفريد وجوها المعتدل على مدار العام، بالإضافة إلى عمارتها التراثية، إلا أن هذه المقومات لم تحظَ بالاستثمار الكافي لجعل القرية وجهة سياحية محلية تعبر عن التراث وتعزز أسس السياحة الريفية.
تشهد الطلحة اليوم غياب الدعم الرسمي، حيث اقتصرت الجهود على مبادرات فردية مثل إعادة ترميم قصر الطلحة التراثي، التي تصدى لها أحد أبناءها بجهد شخصي في ظل تجاهل من بلدية ظهران الجنوب وعدم تفاعل الهيئة العامة للسياحة والتراث. ومع هذا التقصير، فقدت القرية مسجدها التاريخي الذي تطاول عمره لأكثر من خمسة قرون وكان معلماً دينياً واجتماعياً طالما مثّل جزءاً من الهوية المحلية. هدم المسجد جاء كفقد رمزي لمعالم القرية الأصيلة، باعتباره شاهدًا على عراقة المكان وارتباطه بالذاكرة الجماعية للأهالي.
ردود الفعل المحلية تُطالب بإدراج الطلحة ضمن قائمة القرى التراثية، ومساواة الاهتمام الذي تحظى به قرى مشابهة في المحافظة مثل قرية السوق المعروفة بالحوزة، مؤكدين أن هذا أقل ما تستحقه الطلحة حفاظاً على هويتها وتاريخها من النسيان.
ومن المظاهر التي يتأسف لها أبناء القرية اختفاء السوق التراثي المعروف بسوق الأربعاء أو سوق الربوع، الذي كان يقام قديماً كمحطة للتجارة وتبادل السلع كالمواشي والهيل والدقيق والتمر، لكنه كان أيضاً مركزًا للصلح الاجتماعي وضمان الأمان ونبذ الثأر، حيث كان يوفر الحماية لكل من دخله، ليكتسب السوق مكانة أخلاقية وقضائية عند القبيلة لدرجة أن المعتدي كان يُعصم في السوق مدة عام كامل في حماية القبيلة. هذا السوق بقي رمزاً للعدل والضبط الاجتماعي ولا تزال الذاكرة الجماعية للقرية تتطلع لإعادة إحيائه ليحمل رسالة أصيلة تربط الماضي بالحاضر.
تحولات مؤلمة شهدتها الطلحة، منها إزالة مجسم قصر الطين التاريخي من دوار مدخل القرية واستبداله بحوض أسماك لا يمت بصلة لهوية المكان الجغرافية والمعمارية، وهو ما عدّه أبناء القرية تجاهاً للذاكرة البصرية الأصيلة وعدم استشارة أهل القرية أو مراعاة لطبيعة الطلحة الجبلية وتراثها.
وتواجه معالم الطلحة الطبيعية مثل وادي الأفياض الإهمال وغياب الرعاية الواجب توفيرها من الجهات الرسمية. وادي الأفياض يمثل رئة للقرية ومتنفسًا لأهلها وزوارها، لكن الوادي بات يعاني من التعديات وترك المخلفات وانتشار النفايات بسبب النقص في الخدمات مثل الحاويات وعدم توفر رقابة بيئية جادة. كما امتدت هذه الحالة إلى سد وادي الأفياض الذي رغم بنائه الحديث إلا أنه بقي بلا تطوير أو عناية، وفاتت فرص الاستفادة من جماليات الوادي لتوفير مرافق عامة كالمظلات ومسارات المشي وأماكن الشواء والاستجمام وتنظيم مهرجانات موسمية.
المطالب ترتفع اليوم لتفعيل دور بلدية ظهران الجنوب سواء في صيانة المواقع التراثية وتطويرها أو بتنظيم حملات توعية وتوفير الأدوات البيئية وكذلك تعيين مراقبين بشكل دوري لصيانة المرافق وحماية رموز القرية من الاندثار، حفاظاً على التراث والموروث الثقافي للسكان والأجيال المقبلة.