
يثير حليب الإبل اهتمام الأوساط الطبية والبحثية حول العالم، إذ لم يعد يُعتبر مجرد مشروب تراثي مرتبط بالبيئة الصحراوية، بل تحوّل إلى غذاء وظيفي تدعمه الدراسات العلمية بسبب ثرائه بالمركبات الفعالة المهمة للصحة. ويعود هذا الاهتمام لما يقدمه الحليب من خصائص غذائية وعلاجية متنوعة، تجعله عنصرًا ذا قيمة كبيرة، خصوصًا في الوقاية من الأمراض المزمنة وتعزيز الحالة الصحية للمرضى، خاصةً المصابين بالسكري. وتختلف مكونات حليب الإبل بشكل ملحوظ وفق نوع الإبل، والتغذية المتبعة، وعمر الناقة، وفترة الرضاعة، إلى جانب المنطقة الجغرافية والموسم.
يشير الدكتور سلطان العتيبي، استشاري أمراض السكري، إلى أن التكوين الطبيعي لحليب الإبل يحتوي على عناصر حيوية متنوعة ترفع من قيمته الغذائية. يضم الحليب بروتينات مهمة كالكازين وبروتينات مصل اللبن، والتي تلعب دوراً أساسياً في بناء الأنسجة ودعم المناعة. بالإضافة إلى الأحماض الدهنية غير المشبعة، أبرزها حمض اللينوليك المهم لصحة القلب والوقاية من الالتهابات، كما يحتوي أيضاً على اللاكتوفيرين المضاد للأكسدة الذي يعزز من مقاومة الجسم للعدوى ويقلل من الإجهاد التأكسدي. ويُلاحظ غياب بروتين بيتا لاكتوجلوبولين المسبب للحساسية، الموجود في حليب الأبقار، مما يقلل فرص تحسس بعض الأشخاص عند تناول حليب الإبل.
في السياق ذاته، تركز الأبحاث الحديثة بشكل كبير على تأثير حليب الإبل في مرضى السكري. يحتوي الحليب على مادة بروتينية تشبه الإنسولين، ما ينعكس إيجاباً على استجابة الجسم الطبيعية للإنسولين ويساعد في ضبط مستويات السكر بالدم عند المصابين بالنوعين الأول والثاني من المرض. وهناك دراسات منشورة تشير إلى أن تناول نحو 500 مل يومياً من حليب الإبل يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات السكر الصائم والسكر التراكمي، خاصة إذا تم تناوله ضمن خطة غذائية وبرفقة العلاج الدوائي.
وبمقارنة القيم الغذائية لكل 100 مل، يتبين أن حليب الإبل يوفر نسباً أعلى من فيتامين سي بثلاثة إلى خمسة أضعاف مقارنة بحليب البقر، ويحمل تركيزاً من الحديد يعادل عشرة أضعاف، إلى جانب ضعف كمية الزنك اللازمة لدعم المناعة. وتتوفر به فيتامينات ب1 وب2 وب12 بنسب مماثلة أو أعلى قليلاً من الحليب العادي، فيما يتسم الكالسيوم بنسبة متوازنة مع الحليب الآخر وإن كانت أقل قليلاً، ويوفر كذلك كمية مناسبة من فيتامين د، ما يجعله ذا فائدة للأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، أو فقر الدم، أو مشكلات التغذية.
وقد أظهرت الدراسات العلمية أن استهلاك حليب الإبل يسهم في دعم الجهاز العصبي، إذ يحتوي على مركبات تساهم في تقليل الالتهاب العصبي وحماية الخلايا العصبية، وتشير الأبحاث إلى إمكانية الاستفادة منه في بعض الحالات مثل الزهايمر والصرع وباركنسون والتوحد بين الأطفال، حيث ارتفعت مستويات مضادات الأكسدة بعد تناوله. كما يتضمن الحليب عناصر مقوية طبيعية للمناعة تعزز من قدرة الجسم على صد الأمراض والعدوى.
أما في ما يخص أمراض القلب، فيمتاز الحليب بوجود دهون ثلاثية مفيدة وأحماض دهنية غير مشبعة ونسبة منخفضة من الكوليسترول، ما يجعله مناسباً للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض الشرايين والكوليسترول، حيث تشير الدراسات إلى أن هذه المكونات تقي الأوعية الدموية من الالتهابات وتحمي القلب.
وبالنسبة للسرطان، أوضحت البحوث المخبرية أن مركبات مثل اللاكتوفيرين والببتيدات النشطة بيولوجياً في الحليب قد تحد من نمو بعض أنواع الخلايا السرطانية كسرطان الكبد والثدي، كما تساهم في تقليل تلف الحمض النووي وتؤثر في النشاط الالتهابي المرتبط بنشوء الأورام، ما يجعله مكملًا غذائيًا مساعدًا خلال الخطة العلاجية الطبية.
يتضح، إذن، أن حليب الإبل بات يحتل مكانة متميزة في الأوساط العلمية، ويعد غذاءً وظيفيًا متكاملاً يمكنه تقديم فوائد صحية جيدة عندما يُدرج ضمن نظام غذائي متوازن وتحت إشراف المختصين، خاصة لمرضى الأمراض المزمنة مثل السكري، مع ضرورة متابعته ضمن خطة علاجية شاملة.