الشراكة السعودية الإندونيسية: 8 عقود من التعاون تعزز العلاقات التاريخية

الشراكة السعودية الإندونيسية: 8 عقود من التعاون تعزز العلاقات التاريخية

تواصل العلاقات السعودية الإندونيسية تقدمها منذ ما يقارب ثمانية عقود، معززة بروابط تاريخية متينة وتعاون مشترك يغطي المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية. يمثل البلدان عنصرين مؤثرين في العالمين الإسلامي والاقتصادي من خلال عضويتهما في منظمة التعاون الإسلامي ومجموعة العشرين، كما تجمع بين شعبيهما علاقات وطيدة تعكس التقارب الشعبي والرسمي بين الرياض وجاكرتا.

بدأت العلاقات الرسمية بين المملكة وإندونيسيا في الحقبة التي أعقبت استقلال إندونيسيا مباشرة، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال جمهورية إندونيسيا. تطورت بعدها العلاقات الدبلوماسية مع تبادل افتتاح السفارات، فافتتحت السفارة الإندونيسية في جدة عام 1948، بينما تم افتتاح السفارة السعودية في جاكرتا عام 1955. وتوالت عقب ذلك الزيارات الرسمية واللقاءات الثنائية بين القيادتين لتعزيز أوجه التعاون المشترك، وتأسس عام 1982 أول لجنة مشتركة بين البلدين لدراسة التطور في العلاقات الثنائية.

برزت في السنوات الأخيرة زيارات رفيعة المستوى شملت زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو للسعودية عام 2015 وزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى إندونيسيا في 2017، وهي الزيارة التي شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وبرامج التعاون والتي بلغ عددها 18 اتفاقية غطت عدة مجالات استراتيجية، الأمر الذي دفع بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى متقدم. كما شارك الرئيس الإندونيسي في القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي أقيمت بالرياض في مايو 2017 تلبية لدعوة خادم الحرمين الشريفين.

وفي عام 2019 استضافت الرياض جلسة مباحثات رسمية جمعت قيادتي البلدين وتناولت العلاقات المشتركة والمستجدات الإقليمية والدولية. وفي سياق التعاون الاقتصادي الواسع، تؤدي شركة أرامكو دور المورد الأكبر للبنزين والنفط إلى السوق الإندونيسية، إذ تصل حصتها من البنزين إلى 25-30 بالمئة، بينما يبلغ متوسط إمدادات النفط إلى إندونيسيا 11 مليون برميل سنويًا. البلدان يطمحان لتعزيز التعاون في مجال التقنية والطاقة وتنويع الاستثمارات مستفيدين من الفرص التي تتيحها رؤية المملكة 2030 ومكانتيهما في مجموعة العشرين.

وفي عام 2022، خلال ترؤس ولي العهد السعودي وفد المملكة إلى قمة قادة مجموعة العشرين في بالي، تم توقيع مذكرة تفاهم موسعة في مجال الطاقة شملت البترول والغاز والكهرباء والطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف وأيضًا مجالات التحول الرقمي والابتكار والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، مع الاتفاق على تبادل الخبرات والمعلومات وتنظيم النشاطات العلمية وتوطين المنتجات والخدمات.

زار الرئيس الإندونيسي المملكة في أكتوبر 2023 بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، حيث جرى استقبال رسمي في قصر اليمامة وعقدت جلسة مباحثات رسمية أكدت على متانة العلاقات واستعداد البلدين المستمر للتطوير المتبادل. تم التوقيع خلال الزيارة على اتفاقية إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الإندونيسي، وأكدت القيادتان حرصهما على تطوير الشراكة وتكثيف التعاون المشترك بما يعود بالنفع على الجانبين.

امتد التعاون أيضاً للمجالات الإقليمية، حيث أسهم التنسيق بين السعودية وإندونيسيا داخل إطار اللجنة الوزارية التي شكلتها القمة العربية الإسلامية المشتركة في تفعيل تحرك دولي لوقف الحرب على غزة وتشجيع عملية سياسية لتحقيق السلام الدائم. ونتج عن هذه الجهود اعتراف عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية.

على الصعيد المالي والتجاري، تعد السعودية الشريك التجاري الأكبر لإندونيسيا في المنطقة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 6.5 مليارات دولار حتى نهاية عام 2024، مع استمرار العمل لتعزيز التجارة وتذليل العقبات أمامها. أهم الصادرات السعودية إلى إندونيسيا تشمل المنتجات المعدنية والكيماوية واللدائن والفواكه، إضافة إلى بضائع معاد تصديرها كالسفن والأجهزة الطبية والمعدات الكهربائية، بينما تتركز الواردات السعودية من إندونيسيا في السيارات وزيوتها وسفنها ومنتجات الخشب.

ومن زاوية التعاون الإنساني، بلغ عدد المشروعات التي نفذتها المملكة في إندونيسيا 113 مشروعًا بقيمة تجاوزت 669 مليون دولار، غطت قطاعات متنوعة مثل التعليم والنقل والصحة والزراعة والصناعات وغيرها من المبادرات الإنسانية والخيرية.

أما في قطاع الحج، فقد وفرت السعودية تسهيلات متطورة للحجاج الإندونيسيين من خلال مبادرة طريق مكة التي نفذتها وزارة الداخلية السعودية في عدد من المطارات الإندونيسية، وهو ما انعكس إيجاباً على آراء الجهات الرسمية والشعبية في إندونيسيا، ورسخ مكانة المملكة في خدمة ضيوف الرحمن واهتمامها المستمر بالمشاعر المقدسة. ويتميز الحجاج الإندونيسيون بحسن التنظيم واحترام التعليمات داخل المملكة، مما منحهم مكانة إيجابية لدى مختلف الجهات.

وفي المجال الثقافي، نفذ مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية فعاليات شهر اللغة العربية في مدينتي جاكرتا ومالانج، ضمن باقة من البرامج التدريبية والأنشطة العلمية التي دعمت تطوير مناهج اللغة العربية وتحسين أداء المعلمين، ما يعكس الدعم السعودي لنشر اللغة العربية وتعزيز التعاون مع الجهات التعليمية في إندونيسيا.

تأتي زيارة الرئيس الإندونيسي الأخيرة إلى السعودية في ظل تطورات إقليمية تستدعي مزيداً من التشاور والتنسيق، في وقت يؤكد فيه البلدان اتفاق رؤاهما حول أهمية الحلول الدبلوماسية للأزمات الإقليمية، والتمسك بالحوار لتحقيق الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.